إن الذي
يدعو إلى الحق فإنه ليس بحاجة إلى إقناع الناس باستخدام القوة والتهديد، بل بحاجة
إلى خطاب العقل وتوضيح الرأي بشيء محسوس، وأما الداعي إلى الباطل فإنه يلجأ في
الغالب إلى استخدام القوة والتهديد لإقناع الناس أو لفرض رأيه عليهم دون اقتناعهم
به، أو يأتي لإثبات دعواه الأولى ببرهان هو بمنزلة دعوى أخرى بحاجة إلى برهان أيضا
لإثباتها!!
ومن
الأمثلة التي تدل على هذا: موقف موسى –عليه السلام– مع فرعون ومن معه؛ فموسى –عليه
السلام– عندما جاء إلى فرعون يدعوه بدأ يحاوره بمنطق ويخاطب عقله ويبين له أن
الإله الحقيقي هو رب السموات والأرض، ورب فرعون ومن معه ورب آبائهم الأولين، ورب
المشرق والمغرب، وفرعون ومن معه يعلمون يقينا أن لهذه الأشياء التي ذكرها موسى –عليه
السلام– ربًا، كما يعلمون أنه ليس بفرعون، ويعلمون فعلا أن من خلق تلك الأشياء ويملكها
ويتصرف فيها هو من يستحق الألوهية والعبادة، وليس مخلوقا ضعيفا من المخلوقين
كفرعون، لكن عناد فرعون وتكبره وتجبره جعله يصر على باطله وينكر ما يدعو إليه موسى
–عليه السلام-.
وعلم
فرعون أن إنكاره وزعمه أنه إله الناس بحاجة إلى بينة وبرهان حتى يقتنع من حوله بما
يذهب إليه من ادعائه بطلان دعوى موسى –عليه السلام–، وزعمه الألوهية؛ لكنه لم يجد
شيئا من ذلك، وعنده اضطُر إلى استخدام القوة والنفوذ؛ حيث قال: (لئن اتخذت إلها
غيري لأجعلنك من المسجونين).
ثم لما
رأى فرعون إصرار موسى –عليه السلام– على موقفه، وإثبات ما يدعو إليه من الحق بحجج
دامغة، وليس بكلام عار عن الدليل؛ لجأ إلى اتهام موسى –عليه السلام– بأنه ساحر،
فقال: (إن هذا لساحر عليم)، وهو برهان أتى به فرعون لإثبات صحة موقفه ودعواه، لكنه
بمنزلة دعوى أخرى بحاجة إلى برهان؛ إذ إنه لا يمكنك أن تتهم شخصًا بتعاطيه السحر
وهو لا يظهر لديه أي أثر يدل على ذلك؛ فلا بد في هذه الحالة أن تبين كيف صار هذا
الشخص ساحرًا؟
البلد الحرام - الأربعاء 1435/8/28
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق