أي شخصٍ
وفقه الربّ –جلّ وعلا- لجمع ما لا بأس به من العلم والمعرفة والفكر النافع، وامتلك
قلما جيّدا؛ ينبغي له أن يُخرج زكاة ذلك بأن ينفع مجتمعه بقلمه قدر الإمكان،
وليعلم أن القلم من أفضل الوسائل لنشر العلم الصحيح، والفكر السليم، والتحذير من
السلوك السيئ، وتوضيح الخطأ المنتشر، بل هناك مواطن وأماكن قد لا يصلها المرء إلا
بقلمه، ولا يضع أثره فيها إلا بالاستعانة به ...
إنك
بقلمك تواسي بائسًا، وتُرشد حائرًا، وتُعدّل منحرفًا، وتفعل معروفًا، وتغيث ملهوفًا،
وتُهدي نصيحة، وتمنع فضيحة، وتقدم موعظة، وتلقي كلمة، وتداوي مكلومًا، وتُسعد
مهمومًا، وتنصر مظلومًا، وتصل رحمًا، وتفعل بِرًا، وتنكر منكرًا، وتُعلّم جاهلًا،
وتفنّد كذبًا وضلالًا، وتحذر من بدعة، وتدعو إلى سنة، وتفرّج كُربة، وتعلم درسًا،
وتشرح كتابًا، وتُضحك حزينًا كئيبًا، وتفعل الكثير والكثير مما تعجز عن حصره، ولا
تقدر على عدّه من الخير والمعروف.
بل قد
يصل ما تكتبه بقلمك –أيها الكاتب- إلى الملوك والرؤساء، والوزراء والوجهاء، ومن في
البيوت القريبة منك، والنائية عنك، بل إلى كثير من أولئك الذين لم ترهم ولم يروك
ممن يسكنون جوانب العالم البعيدة، وأطرافه العميقة، وليس بمقدورك أن توصل أثرك إليهم
–ولو فعلت المستحيل- أو تحلم بذلك؛ إلا بواسطة القلم.
إضافةً
إلى أن أثر القلم هو كالنقش على الحجر؛ فإنه سيبقى دليلًا عليك وعلى فضلك، وسببًا
لذكر الناس لك بالخير -حتى بعد رحيلك عن الدنيا-، ولحصولك على دعواتهم الصادقة لك
ما بقي الليل والنهار، وغرّد طائر أو حلّق وطار.
فلا
ينبغي للكاتب أن يُوقف قلمه عن الركض، وأن يتقاعس عن الكتابة ويتكاسل عنها بعد أن
امتلك عدّتها وعَتادها، وامتطى صهوة جوادها، وخاض غمارها، وعلِم نفعها وفضلها،
ورأى فيئها وغنيمتها، وصال في ميدانها الفسيح وجال، وأثّر فيه وحرّك، وبدّل وغيّر،
وأبكى وأضحك وأسعد؛ وإن فعل فقد حرَم نفسه وحرَم القراء خيرًا كثيرًا، ونفعًا كبيرًا!
علمًا أن
الكاتب حين يكتب إنما يفعل ذلك –في الغالب- لغيره لا لنفسه؛ فلذا ينبغي له أن
يختار من الكلمات أسهلَها، ومن العبارات أقربَها إلى الفهم والاستيعاب والإدراك،
وبأسلوب سلِس وغير معقّد، والضابط في ذلك أن يكتب كتابة يفهمها معظم القراء من دون
أن يستعين بصديق أو إمام من أئمة اللغة والبيان، لا أن يكتب ما لا يفهمه هو نفسه
ولا غيره من البشر!
ومن شمّر
يده لخوض غمار الكتابة فليحرص على الالتزام بقواعد النحو، وليتجنب رفع المجرور،
وجر المرفوع، ولينصب المنصوب، ويجزم المجزوم؛ فالكتابة التي لا تلتزم بذلك لا قيمة
لها عند القراء، وكثيرًا ما تتغير المعاني وتنقلب رأسًا على عقب إن انحرفت
العبارات عن مسار قواعد اللغة التي لا بد من الالتزام بها.
والضمة
والفتحة والكسرة هي علامات يهتدى بها في ظلمات الجهل بالإعراب والنطق الصحيح
للكلمة، لكنّ بعض الكتاب ظنّوا أنّها أدوات لتزويق العبارات وتزيين الكلمات؛ فشوّشوا
على القرّاء ونفّروهم وأضلّوهم عن السبيل.
وأبوح
لكم في الختام أن مقالي لا يشمل ذاك الذي إذا تحرّك قلمه زاده بعدًا عن الله –جل
وعلا-، وجرّ إليه الويلات والحسرات، وملأ المجتمع فتنة وفسادًا؛ فذاك قلمه ممنوع
عن الركض والحركة في كل الحالات؛ درءًا للمفاسد والمنكرات.
البلد
الحرام - الثلاثاء 3 – 11 – 1436هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق