الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

أبناؤنا والمدارس


مضت عقود ومعظم أبناء الجالية البورمية المقيمة بالمملكة العربية السعودية كانوا يعيشون فيها أوضاعًا صعبة مع المحاضن التعليمية؛ فلم يكونوا مرحبًا بهم في المدارس الحكومية لوجود بعض العوائق في أمورهم النظامية، وتعويضًا لهم - وبسعي حثيث من قبل بعض الفضلاء من رجالها والمواطنين – أنشئت لهم – بشكل مؤقت - مدارس خاصة تحتضنهم وتستنقذهم من ظلمات الجهل ودياجير الأمّية، والتي بها – في الغالب - يكون فساد الفكر والروية، وخراب المجتمع والمستقبل.

وبدأت تلك المدارس تؤدي دورها المطلوب، وتقوم بواجبها قدر طاقتها، فتخرجت فيها أجيال وراء أجيال، وأصبح كثير منهم رجالا مؤثرين في التربية والتعليم في المجتمعات البورمية في داخل المملكة وخارجها.

ورغم قيام تلك المدارس بدورها المأمول إلا أنها كانت تئن من وطأة العجز المادي الكبير، ويشكو فيها المدرسون والموظفون قلة الرواتب رغم تحملهم جهودًا مضاعفة لندرة العاملين، بل كان القائمون بها ومدرسوها – إن نظرنا إلى المكافآت التي كانوا يتسلمونها - يُعدّون أناسًا متطوعين تركوا التكسب بالوظائف والأشغال الخاصة وفرّغوا أنفسهم لخدمة بني قومهم ابتغاءً لمرضات الله – تعالى -!

وكان طلابها - رغم حصولهم فيها نوعا ما على جوٍّ يمكنهم من التعلم وتجاوز المراحل التعليمية الأولى -؛ يحسون بألم الصعوبات التي كانت عليها مدارسهم، وبخاصة عندما كانوا يقارنون مستواها المتواضع بمستوى المدارس الحكومية التي يطوف فيها الوِلْدان على بساط الرفاهية والنعيم، وكان ألمهم يزداد عندما يُنهُون فيها المرحلة الابتدائية ويتفاجأون بأن الشهادات التي تسلموها منها غير معترف بها، ولا تؤهلهم للالتحاق بالمدارس الحكومية في مراحل تعليمية أخرى.

وكانت النتيجة أن انقطع كثير منهم عن المدارس دون أن ينهوا المراحل التعليمية كلها، ومعظمهم ينقطعون بعد تجاوز المرحلة المتوسطة لعدم وجود مدارس خيرية تستقبلهم بعدها، ومن ثَمّ كان دخولهم في مرحلة الشتات والضياع وفقدان الهُوية!

والآن وبعد مضي عقود على تلك الحال عادت حكومة المملكة لتضع علينا كعادتها لمستها الحانية؛ فأولت اهتمامًا كبيرًا بتحسين أوضاع أبنائنا التعليمية، وتذليل كل الصعاب التي تواجههم في سبيل دراستهم وتلقيهم للعلم والمعرفة، وفي مقدمتها حل المشكلات النظامية التي كانت من أكبر العوائق التي حرمتهم مواصلة السير في مراحل التعليم.

فأصبح الالتحاق بالمدارس الحكومية لأبنائنا أمرا مألوفا بعد أن كان حلما يراودهم، ومن استعظامهم لهذا الأمر أنهم كانوا يتبادلون التهاني والتبريكات إن وُفق أحدهم للالتحاق بتلك المدراس وحجز مقعده بصفة رسمية في أحد فصولها! لكن الوضع تغير الآن – نحمد ربنا تعالى على ذلك -؛ فأصبح الأصل هو الدراسة في المدارس الحكومية، وأما الخيرية فمعظمها أقفلت أبوابها لعدم الحاجة إليها في الوقت الراهن.

وبهذه المناسبة نقدم شكرنا الجزيل لحكومة المملكة العربية السعودية على هذه اللمسة الرائعة، وعلى جميع وقفاتها النبيلة معنا – نحن الجالية البورمية -؛ بدءًا من استقبالها لنا وترحيبها بنا في ثراها المبارك، ومرورا بتحسين أوضاعنا النظامية وبشكل متكرر، وانتهاء باهتمامها بتعديل أحوالنا التعليمية.

وبما أن الوضع التعليمي لأبنائنا في طريقه إلى الرقي والتطور فإني أتفاءل بمستقبل مشرق لأمتنا الروهنجية، وبجيل مبدع في العلم والثقافة والفكر، يحمل على عاتقه هموم أمته المنكوبة، ويقوم - بكل اقتدار - بحل مشكلاتها المتراكمة منذ أمد بعيد؛ لأن العلم والمعرفة بهما ترقى الأمم، وتسمو المجتمعات إلى علالي القمم، ويعلو سقف الرغبات والطموحات، وتحل المشكلات والمعضلات.

غير أني أخشى – وبعد انتقال معظم أبنائنا إلى المدارس الحكومية – أن تواجه كثيرًا منهم عقبةُ وسائل المواصلات التي بسببها تنقطع صلتهم بالمدارس في نصف الطريق؛ فلذا أقترح على مسئولينا وأثريائنا وكل من يهمهم أمر تعليم أبنائنا، وأخص بالذكر لجنة تعليم البرماويين الروهانجيين التابعة للهيئة الإسلامية العالمية للتعليم؛ أقترح عليهم أن ينشئوا مكتبًا خاصًا أو مكاتب في كل منطقة تسهل لهم – المحتاجين - أمر وسائل المواصلات؛ لضمان استمرار كل طلابنا وأبنائنا في مقاعد التعليم حتى تجاوز جميع المراحل الدراسية.



البلد الحرام – الخميس 5 – 11 -1436هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق