إن بعض المعلمين جعلوا التعليم بابا لاستعباد أولاد الناس ونزعِ حرياتهم؛ فلا يمكن الطلابَ أن يتصرفوا أي تصرف إلا بإذن معلمهم في داخل نطاق التعليم أو خارجه إن جمعتهم به رحلة برية أو عمل مشترك، ولا يجوز لهم القيام ولا القعود ولا الأكل ولا الشرب، ولا التحدث إلى الناس؛ إلا إن سمح لهم به معلمهم المقدس!
وعلى
منهجهم أنه يجب عليهم التزام الصمت والتغاضي والتجاهل التام إن حصل من المعلم أي
تصرف خاطئ، أو سلوك شائن، أو ارتكب معصية، أو اقترف جريمة؛ لأنهم في مرتبة لا
تؤهلهم للتنبيه على خطئه أو الإنكار عليه، وإن استمر في أخطائه وتجاوزاته التي قد تضر
نفسه وتخل بعدالته، وتضر الناس الذين من ورائه!
هؤلاء
فهمهم لمكانة المعلم ومكانة الطالب أمامه ما أنزل الله به من سلطان، ولا أشار إليه
عالم أو جاهل عاقل؛ إلا أصحاب العمائم العظيمة من غلاة الشيعة، وحاملو السبحات الطويلة
من غلاة الصوفية، ومن نحا نحوهم من المستغلين للعقول الضعيفة!
نعم، لا
شك أن المعلم له فضل كبير على طالبه الذي تعلم على يديه ما كان يجهله قل أو كثر،
فلهذا قال شوقي:
قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا ** كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي ** يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا
كما لا
شك أنه ينبغي للطالب الوفي المقدر لحقوق الآخرين ألا ينسى هذا الفضل، وأن يجل
معلمه ويحترمه ويضعه في منزلته الرفيعة التي أكرمه الله بها، وأن يدعو له بالخير،
وأن يكون تعامله معه فيه نوع من الخصوصية؛ تقديرا للتعليم الذي تلقاه منه،
والإحسان الذي قدمه إليه.
لكن ليس
معنى ذلك أنه يجب على الطالب أن يجعل معلمه شخصا مقدسا معصوما لا يجوز له أن يرشده
إلى الصواب إن أخطأ، أو ينكر عليه إن تمادى في غيه وضلاله ... ولو كان هذا المعنى
صحيحا لما جاز للخليل –عليه السلام- أن ينهى أباه عن الشرك ويدعوه إلى التوحيد،
وهو الذي رباه من الصغر واعتنى به وعلّمه من أمور الحياة وتجاربها، ولا جاز أيضا لموسى
–عليه السلام– أن يأتي فرعون، وينكر عليه منهجه وادعاءه الألوهية، ويدعوه إلى
الاعتراف بخالقه الذي خلقه، وهو الذي تكفل بتربيته منذ أن كان وليدا، واعتنى به
وصرف عليه من ماله حتى كبر وأصبح رجلا ...
وإنني
متى أجد أحدا من أصحاب هذا الفهم الخاطئ يحاول إسكات الناس عن إنكار خطئه عليه، أو
عن نقد تصرفه السيئ بحجة أنهم طلابه، أو أنه خدمهم، أو وقف معهم في أزمة من أزماتهم؛
أتذكر إمام هذا المنهج السقيم وسيد المستبدين فرعون اللعين مستحضرا قوله لموسى –عليه
السلام– : (ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين)! وذلك عندما جاءه موسى –عليه
السلام- يدعوه إلى الصراط المستقيم والإيمان بالله الإله الحق المبين.
البلد الحرام - الثلاثاء 1435/8/12
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق