الأربعاء، 19 أكتوبر 2016

الجالية البورمية ليسوا ملائكة!


مع مطلع العام الهجري الجديد عام ألف وأربعمائة وثمانية وثلاثين قامت حملة شرسة في تويتر وغيره من وسائل الإعلام ضد جاليتنا الجالية البورمية المقيمة بالمملكة، وسلاحها بعض الأخبار الملفقة والأكاذيب المؤلفة التي نشرتها بعض الصحف والجرائد، وكذلك بعض الأخبار الصحيحة المتعلقة بأخطاء أفراد الجالية، لكنها عبارة عن مجموعة لأخبار سنوات عديدة.

فالقسم الأول من سلاحها لأنه كذب ودجل، وزور وافتراء؛ لا أريد أن أضيع وقتي في تفنيده وإبطاله، وأيضا لأن كثيرا من الكتاب من البورميين وغيرهم بينوا بطلان ذلك، إضافة إلى بعض الصحف؛ حيث إنها نفت صحة خبر المعلمات الحديث الذي جعلوه سببا رئيسا لإحداث الضجة الأخيرة، وانضمت إليها كذلك إدارة تعليم مكة في نفي الخبر وبيان بطلانه.

وأما القسم الثاني من سلاحها -وهو قسم الأخبار الصحيحة التي حملت وقائع من أخطاء أفراد الجالية-؛ فأقول فيه مستعينا بالله –تعالى-:
إنه ليس هناك فرد من البشر معصوما من الخطأ ما عدا الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام-، وكذلك ليس هناك مجتمع يخلو من الأخطاء والأفعال الشائنة؛ فلذا كل واحد منا –معشر البشر-، أو كل مجتمع في هذه البسيطة إن فتشنا في سجلاته نرى فيها كثيرا من الأخطاء التي ارتكبها قصدا أو بغير قصد، والمجتمع البورمي هو أحد هذه المجتمعات التي تعيش على هذه البسيطة، وليس مجتمعا ملائكيا نزل من السماء؛ فلذا من غير المستغرب أن يصدر منه بعض الأخطاء والهفوات والزلات كما يصدر ذلك من بقية المجتمعات، وهذه الأخبار التي تبين أخطاء بعض أفراد الجالية البورمية فما هي إلا من هذه الزلات والهفوات التي لا مفر منها لأي مجتمع، هذا أولا.

ثانيا: أن هذه الأخطاء لم تصدر كلها في يوم أو أسبوع، أو شهر أو سنة، بل هي مجموعة لأخبار سنوات عديدة، ولعل بعض الأفراد من المجتمعات الأخرى إن جمعت سيئاته التي اقترفها في عدة سنوات؛ ليصل حجمها إلى حجم هذه الأخطاء التي ارتكبها المجتمع البورمي بمجموعه؛ فمن الطبيعي إذن ظهور تلك الأخطاء المنشورة للجالية البورمية بهذا الحجم الكبير ما دام أنها أخطاء سنين متراكمة.

ثالثا: أن أفراد الجالية البورمية في المملكة يصل عددها إلى أكثر من مائتين وخمسين ألف بورمي كما بينت ذلك الإحصاءات الحديثة؛ فكم تبلغ إذًا نسبة هذه الأخطاء المنشورة مقارنة بهذا العدد الكبير؟

علما أن العدد هنا لا يصل إلى نسبة واحد في المائة إلا إن وصل إلى ألفين وخمسمائة فرد بورمي؛ فهل يصل عدد المخطئين من أفراد الجالية البورمية إلى اثني عشر ألفا وخمسمائة فرد؛ ليكون مقدار النسبة خمسة في المائة في السنة الواحدة؟

أرجو من هؤلاء الذين يحاولون تضخيم أخطاء الجالية البورمية حقدا وحسدا أن يقارنوها بعدد أفرادها في المملكة، وعند المقارنة بالطريقة هذه فلا أظن أنه يصل أمر أخطاء الجالية البورمية إلى هذه الضخامة التي يتوقعونها أو يبرزونها للناس بهذه الصورة المشوهة.

رابعا: هناك كثير من المجتمعات الأخرى التي تقطن المملكة حالها مثل حال الجالية البورمية أو أسوأ منها في نسبة ارتكاب الأخطاء؛ فلماذا لم تبرز أخطاؤها كما أبرزت أخطاء الجالية البورمية إن كان الذي أثار حفيظة هؤلاء هو ضخامة أخطائها؟

وقد يأتي من يقول إن الجالية البورمية تصدرت القائمة في الأخطاء؛ لذا التركيز منصب عليها لوحدها حاليا= فيقال له: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين؛ أثبتوا ذلك بقائمة الإحصاءات الرسمية، وإلا فلا يخرج الموضوع عن كونه مجرد تهم وافتراءات وتشويه سمعة؛ لأغراض دنيئة تريدون تحقيقها من وراء ذلك في قادم الأيام!

خامسا: إن كان الذي أزعجكم هو الأخطاء فلماذا لا تقتصرون على الحديث عن الأخطاء الصادرة منهم وتتجاوزون إلى العنصرية البغيضة؟ وموضوع التفريق بين المواطن والأجنبي، والعربي والعجمي؟ وموضوع أرزاقهم وأموالهم؟ دعوها فإنها منتنة!

والرزق بيد الله -عز وجل-، فكل يأخذ نصيبه الذي قدره الله له، سواء البورميون موجودون أم غير موجودين، وأنتم أعلم بهذا؛ لكونكم في بلد العقيدة والتوحيد.

سادسا: لماذا التعميم في النقد والهجوم؟ لماذا لا تقتصرون على المخطئين؟ هل هذا هو العدل الذي تمليه عليكم شريعة الإسلام وأنتم مسلمون في منبع الإسلام؟

هل هذا ما فهمتموه من قول الرب -جل وعلا-: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)؟ هل ترضون أن تُعاملوا بالمثل في موضوع التعميم عندما يخطئ بعض أفرادكم، أم يجوز لكم ما لا يجوز لغيركم؟

اتقوا الله في إخوانكم المظلومين المضطهدين في بلادهم، والمهاجرين إلى بلاد الحرمين فرارا بدينهم وعقيدتهم، ولا تفتروا عليهم لأغراض دنيئة تريدونها لأنفسكم، ولا تشوهوا سمعتهم بالكذب والبهتان؛ فالله بصير بما تعملون، وسميع ما تقولون، قادر على أن يجعل وضعكم كوضعهم، ووضعهم كوضعكم في حسن المعيشة وشدتها.


البلد الحرام - الاثنين 1438/1/2

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق