الأربعاء، 19 أكتوبر 2016

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم


أفكر كثيرا حينما أرى الناس يلتفون حول الطغاة وأهل الباطل ويستمعون إليهم ويتأثرون بما يلقون إليهم من الضلالات؛ في حين أن هناك أصنافا من أهل الحق ينظر الناس إليهم نظرَتهم إلى مجرمين أو أصحاب سوء، رغم سلامة معتقدهم وغزارة علمهم وصفاء منهجهم الذين يسيرون عليه!

وبعد طول تأمل في هذا الموضوع الذي حِرت في أمره برهة من الزمن أدركت أن أولئك الطغاة وأهل الباطل يمتلكون مهارات معينة يجذبون بها الناس إليهم وإلى سماع ضلالاتهم؛ فهم يحسنون فن التعامل مع الجمهور، وفن الإقناع، وفن التأثير في المخاطب، كما يمتلكون الخطاب بمنطق ساحر يقلبون به الباطل حقا والحق باطلا، بالإضافة إلى ما عندهم من الخلق الحسن والحكمة والحلم والأناة وسعة البال والمجاهدة في ترويج بضائعهم الفاسدة بشتى الطرق والأساليب المقبولة لدى الناس.

ولو أتينا إلى جانب الفريق الآخر الذين في الحقيقة هم أهل حق وصواب وعلم ومنهج سليم؛ لنجد أنهم بحاجة إلى تحسين تعاملهم مع الجمهور، وإلى ترك أسلوبهم التقليدي الذي يجبرون فيه الخلق على قبول بضائعهم –وإن كانت صالحة- بما يشبه الضرب بالسوط والسيف، بالإضافة إلى فظاظتهم وغلظتهم وشدتهم مع الناس وسرعة انفعالهم وغضبهم، والاستعجال لقطف الثمرة والنصر والتمكين؛ وبذلك نفّروا الناس عنهم، وعن قبول الحق الذي يحملونه، بل كرّهوه إليهم وجعلوه علقما غير مستساغ لشدة مرارته، وهم بذلك أساءوا إلى أنفسهم وإلى الحق الذي يدعون إليه من حيث لا يشعرون.

ورسولنا –صلى الله عليه وسلم– رغم أنه نبي موحى إليه مؤيد بالآيات والبراهين الإلهية؛ احتاج إلى الحكمة وحسن الأسلوب وعظيم الخلق؛ ليقول للناس إن الله حق والإسلام حق، لم يقل للناس بكبرياء وجبروت إما أن تقبلوا ما أتيت به، وإما أن تكونوا من أصحاب جهنم وبئس المصير، بل دعاهم إلى الحق بالرحمة والشفقة والحكمة وحسن البيان والتعامل الأمثل، بالإضافة إلى شدة حلمه وصبره على ما لحقه من الأذى في سبيل دعوته، ولو لم يكن –صلى الله عليه وسلم- على تلك الصفات النبيلة والمعاملة الراقية لما استجاب الناس دعوته رغم أنه نبي، ورغم أن ما دعا إليه حق لا مرية فيه؛ لأن التعامل الراقي وحسن الخلق له دور كبير في إقناع الآخرين وقبولهم لما ألقي إلى أسماعهم؛ ولهذا قال الله –سبحانه وتعالى– مخاطبا نبيه –صلى الله عليه وسلم-: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر).

يا من تشتكي ابتعادَ الناس عنك وعن قبول الحق الذي معك ناقش نفسك: هل أنت تجيد فن التعامل مع الآخرين؟ هل تأخذ بمنهج الرسول –صلى الله عليه وسلم– في دعوته من الحكمة وحسن البيان والشفقة والرحمة والحلم والصبر والتحمل حينما تدعو الناس وتتعامل معهم؟

فإن كان الجواب لا فالعيب فيك، وليس في الناس ولا في الحق الذي تدعو إليه؛ فينبغي أن تتعلم الأدب وحسن الخلق وفن التعامل الراقي مع الآخرين قبل أن تنزل في ميدان الدعوة وتسيء إلى نفسك وإلى الحق الذي تحمله وإلى من تدعوهم.


البلد الحرام - الاثنين 1435/10/29 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق