رأيت بعض شبابنا وقعوا في فخاخ بعض شياطين الإنس المدعين للعلم والمعرفة، وهم في الحقيقة جهلة أو معاول هدم يستخدمها إبليس وأعداء المسلمين لهدم دينهم وتخريب عقيدتهم!
أشفقت
على حال هؤلاء عندما رأيتهم انخدعوا بأولئك المجرمين الذين سخّروا أنفسهم لتضليل
المسلمين، وخاصة شبابهم الذين لم يتسلحوا بسلاح العلم الذي يمكنهم من التمييز بين
الحق والباطل، ومن رد شبهات الخبثاء المغرضين الذين يلقونها على الناس للتشكيك في
الإسلام وعقيدة المسلمين.
لم أكن
أتوقع أنه يأتي يوم أجد فيه مثل هؤلاء من شباب المسلمين ينكرون مثل ما رأيت من مسلّمات
الدين متأثرين بأعدائهم المجرمين! لكني للأسف رأيت ورأى غيري من جلّاسي وجلّاسهم.
نعم،
يتوقع من الشباب أن يقعوا في بعض المعاصي والمنكرات، والشهوات والملذات المحرمة؛
بتأثير بيئتهم التي يعيشون فيها، أو بسبب ضعف الوازع الديني، وهي في الأخير كلها
شهوات يعلمون وقت الوقوع أنهم فيها مخطئون، فيتوبون إلى الله – تعالى - ويستغفرون.
لكن الذي
رأيته من هؤلاء لا يندرج تحت باب الشهوات، بل هي عقائد يؤمن المرء بأنها هي الحق
الذي يجب اتباعه، وأن ما عداها باطل يجب اجتنابه، وينبني على ذلك الحرص على التمسك
بذلك، والدفاع عنه باستماتة، ودعوة الناس إليه، والتعبد لله به، والثبات عليه حتى
الموت ما لم يوفقه الله للرجوع إلى الحق قبل الممات.
قد رأيتهم
ينكرون بعض علامات الساعة –يوم القيامة- التي لا يجرؤ مسلم يخاف الله –عز وجل– على
إنكارها؛ لصحة الأدلة التي ثبتت في ذلك، وخاصة في نزول المسيح عيسى –عليه السلام–
في آخر الزمان!
ينكرون ذلك
معتمدين على قول بعض الجهلة في هذا الزمان –عاملهم الله بما يستحقون-، وضاربين كل
الأحاديث الصحيحة وتفاسير الأئمة وأقوال جهابذة علماء الإسلام من المحدثين
والفقهاء؛ عُرض الحائط.
إن نزول المسيح
عيسى –عليه السلام– في آخر الزمان أمر ثابت بأحاديث صحيحة متواترة كما بين ذلك أهل
العلم قديما وحديثا؛ وهو من مسلمات عقيدتنا – نحن المسلمين-، ولا ينكره إلا جاهل
أو مغرض أخفى شرا وخبثا في نفسه، ومما ورد من الأحاديث في ذلك:
ما رواه البخاري
ومسلم بأسانيدهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: (والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا؛ فيكسر
الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون
السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها)، ثم يقول أبو هريرة: "واقرأوا إن
شئتم: (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا).
وما روياه أيضا
بسندهما عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم؟).
وما رواه مسلم
بسنده عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما– أنه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه
وسلم- يقول: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة)،
قال: (فينزل عيسى ابن مريم -صلى الله عليه وسلم- فيقول أميرهم: تعال صل لنا،
فيقول: لا؛ إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة).
وغير ذلك من
الأحاديث التي بلغ عددها أكثر من سبعين حديثا كما ذكره المحدث محمد أنور شاه الكشميري،
يقول الغماري في "عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى -عليه السلام-":
" وممن جمع الأحاديث في نزول عيسى -عليه السلام-
الشيخ محمد أنور شاه الكشميري في كتابه "التصريح بما تواتر في نزول المسيح"
فذكر أكثر من سبعين حديثًا".
وقد أجمع علماء
الإسلام على ذلك ولم ينكره إلا الطوائف الضالة المنحرفة، كالقاديانية ومن سار على
دربهم، قال السفاريني في "لوامع الأنوار البهية": "فقد أجمعت الأمة
على نزوله –أي عيسى عليه السلام-، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر
ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافه، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة المحمدية، وليس ينزل بشريعة مستقلة عند
نزوله من السماء وإن كانت النبوة قائمة به وهو متصف بها ... ".
وهذه طائفة من
أقوال أهل العلم في نزول المسيح -عليه السلام- والأحاديث الواردة في ذلك:
قال ابن كثير في
تفسيره بعد سرد أحاديث نزول المسيح –عليه السلام-: " فهذه أحاديث متواترة عن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- من رواية أبي هريرة، وابن مسعود، وعثمان بن أبي العاص، وأبي
أمامة، والنواس بن سمعان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومجمع بن جارية، وأبي سريحة،
وحذيفة بن أسيد - رضي الله عنهم - ... ".
وقال العظيم
آبادي في "عون المعبود": " تواترت الأخبار
عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في نزول عيسى بن مريم –عليه السلام- من السماء
بجسده العنصري إلى الأرض عند قرب الساعة، وهذا هو مذهب أهل السنة. قال النووي: قال
القاضي: نزول عيسى -عليه السلام- وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة؛ للأحاديث
الصحيحة في ذلك، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله؛ فوجب إثباته، وأنكر ذلك بعض المعتزلة والجهمية ومن وافقهم، وزعموا أن هذه الأحاديث
مردودة بقوله –تعالى-: (وخاتم النبيين)، وبقوله –صلى الله عليه وسلم-: (لا نبي
بعدي)، وبإجماع المسلمين أنه لا نبي بعد نبينا، وأن شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة
لا تنسخ؛ وهذا استدلال فاسد لأنه ليس المراد بنزول عيسى -عليه السلام- أنه ينزل
نبيا بشرع ينسخ شرعنا، ولا في هذه الأحاديث ولا في غيرها شيء من هذا، بل صحت هذه
الأحاديث هنا، أي في كتاب الفتن وما سبق في كتاب الإيمان وغيرها أنه ينزل حكما
مقسطا يحكم بشرعنا ويحيي من أمور شرعنا ما هجره الناس انتهى. وفي فتح الباري
تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسى -عليه السلام- يصلي خلفه. وقال
الحافظ أيضا الصحيح أن عيسى رفع وهو حي انتهى. وقال الشوكاني في رسالته المسماة بـ
"التوضيح في تواتر ما جاء في الأحاديث في المهدي والدجال والمسيح": وقد
ورد في نزول عيسى -عليه السلام-من الأحاديث تسعة وعشرون حديثا، ثم سردها وقال بعد
ذلك: وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع؛ فتقرر
بجميع ما سقناه أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، والأحاديث الواردة
في الدجال متواترة، والأحاديث الواردة في نزول عيسى -عليه السلام- متواترة
انتهى". وبه انتهى ما قصدت نقله من كلام العظيم آبادي –رحمه الله-.
وقال أحمد شاكر
في إحدى حواشيه بتفسير الإمام الطبري عند تحقيقه له: " نزول عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان مما لم يختلف فيه المسلمون؛
لورود الأخبار المتواترة الصحاح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك.
وقد ذكر ابن
كثير في تفسيره طائفة طيبة منها، ... وهذا معلوم من الدين بالضرورة، لا يؤمن من
أنكره".
وقال الألباني –رحمه
الله- في تحقيق "شرح العقيدة الطحاوية": "اعلم أن أحاديث الدجال
ونزول عيسى -عليه السلام- متواترة يجب الإيمان بها، ولا تغتر بمن يدعي فيها أنها
أحاديث آحاد؛ فإنهم جهال بهذا العلم، وليس فيهم من تتبع طرقها، ولو فعل لوجدها
متواترة كما شهد بذلك أئمة هذا العلم، كالحافظ ابن حجر وغيره، ومن المؤسف حقًا أن
يتجرأ البعض على الكلام فيما ليس من اختصاصهم، لا سيما والأمر دين وعقيدة!
وإن من هؤلاء
أخيرًا المدعو عز الدين بليق في كتابه "موازين القرآن والسنة" الذي زعم
فيه تقليدًا لغيره ممن لا معرفة عنده بهذا العلم؛ أن روايات نزول عيسى بعد الدجال
إنما هي من رواية وهب بن منبة وكعب الأحبار؛ وهذا اختلاق محض؛ فلا وجود لهما في
شيء منها مطلقًا، وقد كنت قديمًا خرجت نحو أربعين حديثًا ليس لهما فيها ذكر!".
فالأحاديث
المتواترة دالة على نزول المسيح –عليه السلام-، والإجماع منعقد على ذلك، وكلام
العلماء قديما وحديثا فيه معلوم بالإثبات؛ وبعد هذا كله يأتي أحدنا ليستمع إلى
جاهل مركب أو خبيث دجال ويأخذ بقوله المنكر للنزول ويتمسك به ويجعله هو الحق الذي
لا مرية فيه!
أين عقل هذا؟
وماذا يفعل بتلك الأدلة الثابتة وبالإجماع وكلام العلماء وروايات الصحابة؟! أيهون
ذلك كله عنده لأجل قول ذلك البغيض؟!
لا أظن أن هؤلاء
المخدوعين بأولئك الجهلة أو الأفاكين يكلفون أنفسهم عناء البحث عن الحقيقة عندما
يسمعون منهم الأكاذيب والأساطير، وعندما يلتقطون الغرائب والشواذ من ألسنتهم، ولو
فعلوا ذلك لما وصلوا إلى هذه الدرجة من الضلال والانحراف العقدي.
أسأل الله –عز
وجل– أن يهدينا جميعا إلى الحق، ويسلمنا من شر الأشرار وكيد الفجار، ومن شبهات
المغرضين وفخاخ الخبيثين؛ إنه سميع مجيب.
البلد الحرام -
الاثنين 18 – 2 – 1437هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق