من ضمن
الأخطاء اللغوية التي يقع فيها بعض الكتّاب، وخاصةً كتّاب وسائل التواصل الاجتماعي؛
قولهم:(رُزِقْتُ بِمَولُود، أو رَزَقَنِي اللهُ بِمَولُود).
والصحيح:
(رُزِقتُ مولودًا، أو رَزَقَني اللهُ مَولودًا)، والسبب: أن فعل (رَزَق) يتعدى
بنفسه إلى مفعوليه، وليس بحاجة إلى حرف للتعدية إليهما أو إلى أحدهما، وهو مثل
قولك: (أُعطِيتُ مَولودًا، أو أَعطاني اللهُ مولودًا)، ولا تقول فيه: (أُعطيتُ بمَولود،
أو أَعطاني اللهُ بمولُود).
ومما يدل
على أن فعل (رَزَقَ) يتعدى إلى مفعوليه بنفسه؛ قول شعيب –عليه السلام– كما حكى
الله –تعالى– عنه في كتابه: (يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ
مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ
إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا
تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).
فـ(رِزْقًا)
في قول شعيب –عليه السلام– مفعولٌ ثان، وقد تعدى إليه فعل (رَزَقَ) بنفسه كما ترى،
والمفعول الأول الضمير المتصل في (رَزَقَنِي).
وقال ابن منظور في لسان العرب (10/115): "وَالرِّزْقُ
على لفظ المصدر: مَا رَزَقَهُ إِيَّاهُ، والجمع: أَرْزَاق ... ".
و(إِيَّاهُ)
في قول ابن منظور ضمير منفصل في محل نصب مفعول ثان للفعل (رَزَقَ)، وقد تعدى إليه
فعل (رَزَقَ) بنفسه، ولولا ذلك لقيل (مَا رَزَقَه بِهِ)، والمفعول الأول في الجملة
هو الضمير المتصل في (رَزَقَهُ).
وقال
الزبيدي في تاج العروس (8/260): "عن الكسائيّ: (أُشْهِدَ) الرَّجلُ،
(مَجْهُولا: قُتِلَ فِي سبيلِ اللهِ) شَهيداً (كاستُشْهِدَ): رُزِق الشَّهَادَةَ
(فَهُوَ مُشْهَدٌ)، كمُكْرمٍ ... ".
لفظ
(الشَّهَادَةَ) مفعول ثان في الجملة، والمفعول الأول الضمير المستتر قبل أن يتحول
إلى نائب للفاعل المحذوف، وقد تعدى (رَزَقَ) إلى المفعول الثاني بنفسه، وإلا لكان
اللفظ هكذا (رُزِقَ بِالشَّهَادَةِ).
وقال ابن
الأثير في النهاية (2/13): "وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ (أَنَّهُ رَزَق النَّاسَ الطِّلاَءَ،
فشَربَه رجُل فَتَخَدَّرَ) ... ".
فــ(الطِّلَاءَ)
مفعول ثان لــ(رَزَقَ) وقد تعدى إليه الفعل بنفسه؛ فلهذا لم يأت بلفظ (رَزَقَ
الناسَ بالطلاءِ)، والمفعول الأول كما هو ظاهر كلمة (النّاسَ).
وقد أجاز
بعضهم التعدية بالباء اعتمادًا على قول الخليل –عليه السلام– كما في محكم التنزيل:
(وَارْزُقُهُم مِنَ الثَّمَرَاتِ)؛ فقالوا إن (رَزَقَ) هنا تعدى بـ(مِنْ)، وما
تعدى بــ(مِنْ) يجوز له أن يتعدى بالباء، وهذا في نظري لا يسلّم به لأمرين:
الأول:
أن (مِنْ) هنا بمعنى التبعيض، ومعنى الجملة (وَارْزُقهم بَعْضَ الثَّمَرَاتِ)،
ومثله قولك: (أَعْطِ مُحَمّدًا مِن مَالِكَ) بمعنى (أَعْطِهِ بَعْضَ مَالِكَ)، و(أَعْطَى)
كما هو معلوم للجميع يتعدى بنفسه إلى مفعوليه، وتعديته إليهما أو إلى أحدهما بحرف
جر خطأ، ومع هذا جاز أن تقول هنا: (أَعْطِ مُحَمَّدًا مِنْ مَالِكَ)، ومعنى ذلك أن
مثل هذه الأفعال يجوز أن تتعدى إلى مفعولها الثاني بــ(مِنْ) التبعيضية، لكن لا
يستدل بذلك على أنه يجوز لها أن تتعدى إلى المفعول الثاني بحروف الجر مطلقا وفي كل
الأحوال.
ثانيا:
لو سلّم أن (رَزَقَ) يجوز له أن يتعدى إلى المفعول الثاني بــ(مِن) مطلقا؛ لما يدل
ذلك على أنه يجوز أن يتعدى بالباء أيضا؛ إذ إن الباء لا تنوب عن (مِن) في كل
المواضع؛ فلا يصح أن تقول: (خَرَجَ مُحَمّدٌ بِبَيتِهِ) بالباء، بدل أن تقول: (خَرَجَ
مُحَمَّدٌ مِن بَيتِهِ) بــ(مِن)، وكذلك لا يصح أن تقول: (أَعُوذُ بِاللهِ بِشَرِّ
الشَّيطَانِ) بالباء، بدل أن تقول: (أَعُوذُ بِاللهِ مِن شَرِّ الشَّيطَانِ) بــ(مِن).
البلد
الحرام الاثنين 27 – 1 – 1436هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق