إن الله -سبحانه وتعالى- لم يخلق الناس كلهم على طبيعة وعقلية واحدة، ولا على أدب وخلق
واحد، بل خلقهم مختلفين في طبائعهم وعقلياتهم، متفاوتين في آدابهم وأخلاقهم؛ منهم
من هو هادئ الطبع، ومنهم من هو غضوب وسريع الانفعال، ومنهم من عقله يهذبه ويضبط
سلوكه، ومنهم من عقله يوقعه في المهالك، ومنهم من خلقه عظيم يضرب به المثل في حسن
الأخلاق، ومنهم من يحذر منه ومن مجالسته لسوء خلقه.
وكما
أنهم مختلفون في الطبائع والعقليات والأخلاق فهم كذلك مختلفون في نفوسهم التي بين
أجنابهم؛ فمنهم من نفسه علوية ملائكية، لا يصدر منها إلا كل خير، ومنهم من نفسه
سفلية شيطانية، لا يصدر منها إلا كل شر، ومنهم من نفسه بين هذه وتلك.
ومن هنا
أصبح هناك أخيار وأشرار، وصالحون وطالحون، وهم موجودون في كل بيئة وفي كل مجتمع،
وفي كل مدينة وفي كل بلد، وفي كل قبيلة وفي كل جنسية.
والنفس
الشريرة من البشر ظهرت منذ زمن آدم –عليه السلام-، بل إنه سُجل أول جريمة قتل في تاريخ البشر باسم أحد أبنائه.
بل كان طرفا الجريمة كلاهما ولدين من أولاد آدم –عليه السلام– وهما هابيل وقابيل؛ فحسد
قابيل أخاه هابيل وقتله، وذنب هذه الجريمة لم يتحمله آدم –عليه السلام-؛ لكونه أبا
القاتل، ولا المقتول هابيل لكونه أخاه، وإنما الذي تحمله مَن أقدم على القتل، ولو كان
المنطق الذي يروجه بعض الناس صحيحًا، وهو أن المجتمع كله يصبح مجرمين بارتكاب
أحدهم جريمة؛ لأصبح أبونا آدم مجرما ولصرنا كلنا مجرمين، لكن الأمر ليس كذلك، وهو
منطق لا يقبله عقل ولا شرع.
ومن هنا
نعرف خطأ من ينسب جنسية كاملة إلى الإجرام -في زماننا هذا- بسبب إجرام بعض
أفرادها؛ نرى أنه إذا ارتكب شخص من جنسية ما جريمة معينة يتهمون تلك الجنسية كلها
بأنها جنسية مجرمة فاسقة لا تستحق العيش بيننا، والأمر كذلك أيضا إن رأوا شخصا
معينا من قبيلة ما، وهؤلاء الذين يعاملون الناس بهذا المنطق يناقضون أنفسهم عندما
تصدر الجريمة من أحدهم؛ فيتبرأون منه ويقولون هو من يتحمل ذنبه، ونحن ليس لنا فيه
ناقة ولا جمل!
أين يذهب
هذا المنطق الثاني عندما يعاملون غيرهم في مثل تلك المواقف والصور؟ لماذا الكيل
بمكيالين، مكيال لهم، ومكيال لغيرهم؟ لماذا يختلف الحكم مع اختلاف الجنسية أو
القبيلة مع أن الجريمة واحدة، والصورة واحدة؟
يجب أن
نعلم أنه لا يجوز لنا أبدا أن نحمل شخصا وزر شخص آخر فنعاقبه بناء عليه وإن كان
أخاه أو صديقه أو من قبيلته، أو من جنسيته أو من دولته، إلا في حالة أنه كان
مشاركا له في ذنبه بتأييد أو بالسكوت عنه رغم علمه بذلك، أو بأي بصفة يصح أن يحكم
بها عليه أنه مشارك له، يقول الله –سبحانه-: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، قال الطبري
في تفسيرها: (يقول: ولا تأثم نفس آثمة بإثم نفس أخرى غيرها، ولكنها تأثم بإثمها، وعليه
تعاقب، دون إثم أخرى غيرها).
الأحد 28
– 10 -1435
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق