الأربعاء، 19 أكتوبر 2016

العهد المكي للمسلمين الأوائل درس للروهنجيين


تعيش أمتنا الروهنجية في أراكان حالة عصيبة جدا مع البوذيين وحكومة ميانمار منذ عقود من الزمان؛ فبعد كل سنة أو سنتين نصحو على أخبار أراكانية مؤلمة تُدمع العيون وتُقطع الاكباد، أخبارِ تهجير وتشريد للمستضعفين من إخواننا في أراكان، وحرق لدُورهم وقراهم، ومصادرة لممتلكاتهم، وانتهاك لأعراض نسائهم، وقتل لأطفالهم وشبابهم وشيوخهم؛ كل هذه الجرائم البشعة يقوم بها البوذيون ضد أمتنا المكلومة هناك منذ زمن طويل، وهم ليس لهم حول ولا قوة؛ لأن ينجوا بأنفسهم ويبتعدوا عن شر أعدائهم عباد بوذا.

وفي بعض الأحيان تقوم بعض المجموعات المتطوعة بمقاومة العدوان، لكن سرعان ما تفشل لقلة عَددهم وعُددهم أمام تلك الأعداد البشرية الهائلة من البوذيين ووراءهم حكومة قوية بدولتها وجنودها وأسلحتها وحلفائها من الهند والصين ...

وبالنظر إلى تجارب السابقين من المناضلين منذ عقود يغلب على ظني أنه ليس هناك حل ناجع أمام أمتنا الروهنجية مع هؤلاء البوذيين المجرمين إلا اتباع طريقة العهد المكي للرسول –صلى الله عليه وسلم– وصحابته الكرام –رضي الله عنهم-؛ فالمسلمون ومعهم نبي الله –صلى الله عليه وسلم-كانوا في موقف ضعف شديد أمام المشركين في بَداءة الإسلام، وكانت قوتهم وعددهم لا يقارن ذلك كله بما عند المشركين، ولم يُسلم وقتئذ إلا أشخاص معدودون؛ فلهذا كانت جلساتهم سرية، وعباداتهم مخفية، ودعوتهم للناس إلى الإسلام على انفراد، وليست دعوة عامة علنية.

وبعد أن دخل الإسلامَ جملةٌ من المسلمين وعرف الكفار أمر بعضهم؛ بدأوا في تعذيبهم بألوان من العذاب، والرسول –صلى الله عليه وسلم– بين ظهرانيهم، ويرى كل ذلك ويسمع عنه، ومع ذلك لم يخرج يوما للإنكار والمحاربة بالسيف، ولم يؤمر بذلك من قبل ربنا –جل وعلا-؛ لأن وضعهم تلك الفترة لا يؤهلهم لقتال المشركين ومقاومتهم، بل القتال في ذلك الوقت معناه قتل الإسلام في مهده، وإبادة العُصبة المسلمة بأكملها، أو سبب لردة بعضهم ردة جبرية.

عذبوا بلالا –رضي الله عنه– عذابا شديدا واستمروا في ذلك حتى أعتقه أبو بكر –رضي الله عنه-، وعذبوا آل ياسر عذابا بشعا جدا ولم يستطع النبي صلى الله عليه وسلم– فعل أي شيء تجاه وضعهم المزري، بل اكتفى بالدعاء لهم، وقد قال عندما رأى الوضع الصعب لآل ياسر ولم يتحمل ذلك ولا استطاع أن يفعل شيئا، قال لهم: "صبرا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة".

وكان هذا ما كان عليه النبي –صلى الله عليه وسلم– في العهد المكي الذي امتد لثلاث عشرة سنة؛ كان ما بين تصبير للمؤمنين المعذبين من قبل الكفار واحتساب الأجر عند الله، وبين تهجير لبعضهم إلى الحبشة مع دعاء الله أن يحسن حالهم، إلى أن هاجر إلى المدينة.

انظروا كيف كانت سنة النبي –صلى الله عليه وسلم– في التعامل مع الوضع في العهد المكي؟

لم يُكوّن جيشا لمقاومة عدوان المشركين لعلمه بأن ذلك أشبه بالمستحيل، ولا كلف المسلمين الذين آمنوا بالله وبرسوله بإظهار الشعائر التعبدية في المجتمع المكي مع وجود الخطورة الشديدة على أنفسهم وأرواحهم، ولا بنى معبدا خاصا بالمسلمين يستطيعون فيه أداء الشعائر التعبدية بسهولة، بل رضي بالأمر الواقع، وأخفى الأمور الدينية وخبأها عن المشركين، وجعل القيام بالأمور الدينية على حسب القدرة والاستطاعة، وعلى حسب أوضاع ذلك المجتمع، ومن انكشف أمرهم من المسلمين وليس لهم ظهر يحميهم ووقعوا في قبضة الكفار؛ لم يتهور في أمر حمايتهم والدفاع عنهم، بل قام يصبرهم ويدعو لهم، وعندما اشتدت الأمور بحيث وصل إلى درجة لا تطاق أمر كثيرا من المسلمين بالهجرة إلى الحبشة، وعندما رأى أن الأمور تزداد سوءا، وليس هناك أمل لإقامة الدين بمكة إقامة صحيحة مع تلك الأوضاع السيئة المحيطة بهم؛ هاجر إلى المدينة التي رأى أن ثراها أفضل مكان من الأمكنة المناسبة لإقامة دولة إسلامية مستقلة تكون منها انطلاقتهم القوية في نشر الخير والنور على أرجاء العالم بما فيها مكة التي هاجر منها، وتحقق له ما أراد –صلى الله عليه وسلم-.

ولم يقل –صلى الله عليه وسلم– إن مكة بلدنا ووطننا لا يمكن الخروج منها ولا التخلي عنها، بل لا بد من إقامة الدين مع تلك الأوضاع السيئة، ولا بد من مقاومة المشركين وإن كان عددنا لا يساوي شيئا أمامهم، وقوتنا خائرة أمام قوتهم المدمرة، أو وإن كان ثمن ذلك روحي وأرواح المؤمنين جميعا؛ لم يقل ذلك أبدا، بل تعامل مع الواقع بما يقتضيه، وترك وطنه الذي ولد هو وأجداده فيه، وأخذ المسلمين معه وهاجروا جميعا إلى بلد غير بلدهم تاركين أراضيهم وثرواتهم وأقاربهم.

وإن وضع الروهنجيا ببورما يشبه كثيرا وضع هؤلاء المسلمين الأوائل بمكة ومعهم الرسول –صلى الله عليه وسلم-؛ فلذا ينبغي لهم أن يستفيدوا من تعاملهم معه في تلك الأوضاع المشابهة، ويرضوا بالأمر الواقع، ويقوموا بما يقتضيه، لا بما تأمره العاطفة والنفوس المتهورة غير الحكيمة.

لا أقول لهم اتركوا بلادكم وهاجروا إلى بلدان أخرى، وانتشروا فيها وانسوا بلادكم وامسحوها من رأسكم، لا أقول لهم هذا، بل أقول لهم:
إن أردتم العيش بسلام هناك والتعايش السلمي في بلادكم مع البوذيين فلا بد من التنازل عن بعض الأمور التي تجلب لكم هذه المصائب والكوارث المتكررة، وإذا كان الدين يأذن بالنطق بكلمة الكفر مع استقرار الإيمان في القلب حفاظا على الروح والنفس؛ فكيف بما دون ذلك من الأمور التعبدية؟!

وهذا التنازل إنما هو للبحث عن الاستقرار وإيقاف شلالات الدماء التي تكون كل بين فترة وأخرى، وليس هو نهاية المطاف، بل لا بد هناك من عمل كبير يجب القيام به بتكاتف كل العاملين الروهنجيين وتعاونهم مع بعضهم، إضافة إلى الاستفادة من خبرات المخلصين وإسهاماتهم من غير الروهنجيين، وهذا العمل الذي يقوم يجب أن يكون منظما ومدروسا ذا أهداف مرحلية محددة موصلة في الأخير إلى تحقيق الرؤية المشتركة عند كثير من السياسيين الروهنجيين، وهي امتلاك حق تقرير المصير، بمعنى أنه بهذا العمل المنظم والمدروس يصل الروهنجيون مرحلة في فترة من الفترات القادمة يمتلكون فيها حق تقرير مصيرهم؛ فهم الذين يقررون نوعية مصيرهم الذي يكونون عليه، هل يبقون في ميانمار بصفتهم عرقية رسمية كبقية العرقيات الرسمية الموجودة في البلاد لهم ما لكل العرقيات الأخرى من حقوق، وعليهم ما عليها من الواجبات، أو يكون لهم حكم ذاتي فدرالي، أو يستقلون ببلدتهم أراكان، أو أي خيار آخر يناسب وضعهم في تلك الفترة.

هذا مجرد رأي شخصي يقبل النقاش والأخذ والرد، وليس أمرا مسلما به عند جميع الروهنجيين؛ أرجو أن تنظروا إليه، ادرسوه إن كان معتبرا، وإلا فارموا به عُرض الحائط. والسلام عليكم


البلد الحرام – الإثنين 1436/12/22 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق