الأربعاء، 19 أكتوبر 2016

عندما يتحول المدرس إلى حلاق غشيم


كثير من مدارسنا الخيرية يواجه فيها أبناؤنا الطلاب عنفا لا يطاق، يصدر ذلك العنف من قبل بعض المدرسين الذين وضعوا في هذا المكان لتعليم الطلاب الخير وتربيتهم التربية الحسنة، يواجهون عنفا بأشكاله المتنوعة وصوره المختلفة من ضرب مبرِّح، وصفع في الخدود، وشد للشعر، وصراخ مزعج في وجوهم عند صدور أي تقصير أو سلوك خاطئ، ويحصل ذلك بصفة متكررة، ولا أدري هل ذلك توجه عام لتلك المدارس، أو اجتهاد من بعض مدرسيها، أو بتوجيه من الجهة المشرفة على تلك المدارس؟ وأنا أستبعد الأخير؛ لأن العنف الشديد ضد الطلاب قد صدرت توجيهات بالمنع منه من قبل وزارة التعليم بالمملكة.

ومن صور عنف المدرسين في هذه المدارس ما رأيته اليوم في ابني البالغ من العمر إحدى عشرة سنة؛ فقد أتاني في الظهر حزينا كسيرا، خائفا وجِلًا وقال لي: أبي، الأستاذ فلان قص شعري بطريقة عشوائية وشوه رأسي وجعل زملائي يسخرون مني ويضحكون من شكلي المشوه!

- قلت له: لماذا يا بني؟

- قال: إن الأستاذ يرى أن شعري فيه "قَصّة"!

- قلت له: كيف ذلك، وأنا لا أجد فيه طولا فاحشا ولا شيئا من القصات الشبيهة بقصات أهل الفسق والكفر؟

- يقول: لا يا أبي، إن الأستاذ متّر كل شعور رأسي، وأحس بأن بعضها يطول على بعض، وبعضها الآخر يقصر عن بعض، وهو نعم غير مشاهد بالعين، لكنه يُعلم ذلك بالتمتير بالأصابع!

- ثم قال: أبي، هذه ليست نهاية القصة، بل هذا إنذار أولي، فإن لم أحلق اليوم شعري فإنه يطاله تشويه أبشع من هذا الذي تراه!

- ثم أتبعه بقوله ويعلو وجهه الخوف والرعب: ارحمني أبي، واحلق شعري قبل ألا يُذلّني هذا المدرس غدا أمام زملائي؛ فإني لا أطيق أكثر مما حصل اليوم!!

أهكذا التربية – أحبتي-؟ أهذه تربية أم إرهاب وتنفير من المدارس وتطرف وشدة غير مقبولة في التربية؟

لماذا نوجب على الناس حلق الشعر أو قصه دون مبرر صحيح؟ هل الدين أمرنا بذلك، هل ذلك سنة النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، أو سنة الصحابة والتابعين؟

لم يشرع لنا الدين حلق الشعر أو تقصيره -في غير مناسبة الولادة- إلا لحج أو عمرة، ومن أمر الناس بالحلق أو التقصير في غير الحج والعمرة وفي الولادة تعبدا؛ فإنه أحدث في أمر الله ورسوله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم– ما ليس منه، وذلك فعل أهل البدع والضلال!

قد يقول قائل: لعل المدرس أمر بالحلق لأنه رأى بعض شعر ابنك يطول على بعضه الآخر.

أقول إن كان هناك طول في بعض الشعر دون بعضه الآخر؛ فإن ذلك لا يوجد فيه أي محذور شرعي ولا عرفي؛ إذ العبرة بالقَصَّة التي فيها تشبه بقصات الكفار أو الفساق، فإن كانت طريقة القصة تشبه طريقة قصات الكفار أو الفساق فإن ذلك ينهى عنه، وهذه الطريقة تتلخص في حلق بعض الشعر وترك بعضه، أو قصِّه بطريقة مشوهة للرأس، وأخشى أن ما فعله المدرس يدخل في هذا النوع!

وأما قص الشعر بطريقة طبيعية ولا يظهر فيها طول بعض الشعر على بعضه الآخر إلا بعد التأمل والتمتير الدقيق؛ فهذا ليس فيه أي محذور، لا في الشرع ولا في العرف، ولا يتشدد فيه إلا المتنطعون، والمتنطعون هالكون كما صح في الحديث الصحيح.


أرجو من مدرسي أبنائنا وطلابنا أن يبتعدوا عن العنف بجميع صوره وأشكاله، وعن جميع الأساليب التي تنفر الطالب عن المدرسين وتكرّه إليه من يعلمه ويقوم بتربيته، وأن يعتمدوا على الأساليب الحديثة والمحببة عند الطلاب، وليعلموا أنه (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه).

الأحد 7-7-1436هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق