قال النووي: "واعلم أن معرفة حدود الحرم من
أهم ما ينبغي أن يعتنى ببيانه؛ فإنه يتعلق به أحكام كثيرة".
المعظم للبلد الحرام لا بد أن يكون على علم
ومعرفة بحدوده الشرعية التي نصبها الخليل –عليه السلام- بعد أن بينها له جبريل –عليه
السلام-؛ حتى يتمكن من الاحتراز من انتهاك حرمة الحرم، وتحري أماكنه ليقوم فيها
بالأعمال الفاضلة، ومن أعظمها الصلاة التي ثبتت مضاعفة أجرها بالحرم بأدلة خاصة؛
فما كان داخل هذه الحدود من المساحات هو البلد الحرام، وهو الحرم الذي ثبت تحريمه
بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة.
وتحريم البلد الحرام ليس من قبل البشر على
الراجح، وإنما هو من قبل الله –سبحانه وتعالى-؛ حيث حرمه منذ أن خلق السماوات
والأرض، روى البخاري ومسلم بسندهما عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- قال يوم فتح مكة: (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات
والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي،
ولم يحل لي إلا ساعةً من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة).
وأما الخليل –عليه السلام- فإنه إنما أظهر هذا
التحريم الذي كان ابتداؤه من قبل الله –تعالى-؛ إذ إنه لم يكن معلنًا عنه قبل أن
يظهره الخليل؛ فلذا ثبت في السنة أنه حرّم مكة، روى الشيخان بسندهما عن عبد الله
بن زيد –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن إبراهيم حرّم
مكة ودعا لأهلها، وإني حرّمت المدينة كما حرّم إبراهيم مكة...)؛ فيكون التحريم المنسوب
إلى الله –تعالى- هو تحريم ابتداء، والمنسوب إلى الخليل –عليه السلام- هو الإعلان
عن هذا التحريم وإظهاره للناس.
وحدود البلد الحرام من الطرق الحديثة –كما
بينها الشيخ عبد اللطيف القرني في مبحث (الحرم المكي ومضاعفة الأجر فيه)، والذي نشره
موقع الدرر السنية = هي ما يأتي:
1 – من طريق جدة السريع: (21كم): من جدار
المسجد الحرام الغربي من باب الملك فهد وحتى العلمين الجديدين على الطريق.
2 – من طريق الليث اليمن الجديد (20كم): من
جدار المسجد الحرام الجنوبي وحتى العلمين الجديدين على الطريق.
3 – من طريق الطائف الهدى الجديد (14.600كم):
من جدار المسجد الحرام الجنوبي وحتى العلمين الجديدين على الطريق السريع (الطائف
الهدى) بالقرب من جامعة أم القرى.
4 – من طريق الطائف السيل السريع (13.700كم):
من جدار المسجد الحرام الشرقي وحتى العلمين الجديدين على طريق الطائف.
هذه هي حدود البلد الحرم التي ينبغي لأهل مكة
معرفتها لارتباطها بكثير من الأحكام الشرعية، ولتفادي الوقوع في المحاذير الشرعية
بداخل حدود الحرم؛ فالمعصية فيها من المنكرات العظيمة، كما يشير إليه قوله –تعالى-
في محكم التنزيل: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ
عَذَابٍ أَلِيمٍ)، فإن كانت إرادة المعصية بمكة فيها هذا العذاب ففعل المعصية فيها
لا شك أنه يكون عذابه أشدَّ وأنكى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق