الأربعاء، 19 أكتوبر 2016

حكم اتخاذ يوم معين لذكرى نكبة الروهنجيا


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإني كنت أحد المشاركين في التفاعل مع ذكرى اليوم الثالث من يونيو للروهنجيا، والذي كانت فيه بَداءة شرارة الحدث الأخير في أراكان بمقتل الدعاة العشرة والتمثيل بجثثهم من قبل البوذيين، وقد سألني بعض طلبة العلم عن حكم إحداث مثل هذا اليوم والتفاعل معه؛ فبينت وجهة نظري فيه برؤية شرعية ودراسة تأصيلية مع الإشارة إلى الخلاف الوارد بين أهل العلم فيما يشبهه من المسائل، لكن كان ذلك خاصا بيننا ولم يظهر لغيرنا، والآن أرى إظهار هذا الرأي لتعم فائدته وتتم دراسته علميا من قبل المختصين.

أقول في مطلع حديثي في هذا الموضوع إنه ينبغي لنا قبل الشروع في الحديث عن المسألة أن نمر ببعض المقدمات:
المقدمة الأولى: أن هذه المسألة ليست من مسائل الإجماع، بمعنى أنها مما يجوز فيه الاجتهاد، ويصح أن يتوفر فيه أكثر من قول من جهة المجتهدين؛ إذًا فلا ينبغي لطالب العلم أن يَتهم بالضلال والجهل من يأتي بقول يخالف ما ذهب إليه هو ما دام أنه مقرون بأدلته المعتبرة.

المقدمة الثانية: أن كل عالم أو إمام مهما علا شأنه، وعظم فضله؛ فإنه ليس بمستغرب أن يُرد بعض قوله؛ إلا المعصوم –صلى الله عليه وسلم-، فإنه ليس لنا أمامه إلا أن نقول "سمعًا وطاعةً".

المقدمة الثالثة: أن القول الصحيح في مسألة ما لا يؤخذ بالنظر إلى كثرة أصحابه، ولا إلى مكانتهم، ولا إلى مكان وجودهم كمكة أو المدينة أو الكوفة أو البصرة؛ وإنما يؤخذ بالنظر إلى قوة أدلته وحججه؛ فلهذا ليس من المنهج العلمي أن نقول إن هذا هو المذهب الصحيح؛ لأن قائله فلان وفلان، بل يقال لأن دليله أقوى، وحجته أقنع.

المقدمة الرابعة: لا ينبغي لطالب العلم أن يكون نقاشه بالنظر إلى من قال، بل ينبغي أن يكون بالنظر إلى ما قال، وما بنى عليه قوله.

المقدمة الخامسة: أن المسألة هذه من المسائل الشرعية؛ فيجب أن يكون النقاش فيها نقاشا علميا، لا عاطفيا كما يظهر في حوارات كثير منا.

المقدمة السادسة: ينبغي أن نجعل الحكَم في النقاش هو الدليل والتعليل، وليس الشخص وعدد القائلين.

وبعد هذه المقدمات اليسيرة نستعين بالله -سبحانه- في الدخول إلى موضوعنا الذي نحن بصدد الحديث عنه، فنقول:
إنه أشكل على كثير من الناس، بل على كثير من طلاب العلم موضوع تحديد يوم معين في السنة لذكرى نكبة الروهنجيا، وقد دار فيه جدل ونقاش، وأخذ ورد في وسائل التواصل الاجتماعي والجلسات العلمية؛ مما أوجب عليّ البحث عن حقيقة هذه المسألة وحكمها الشرعي؛ وذلك لأني – كما أشرت إليه سابقا- أحد من تفاعلوا مع هذه الذكرى في ثلاثة يونيو.

وبعد البحث الدقيق في المسألة أو في أمثالها وجدت أن هناك كثيرا من أهل العلم ذهبوا إلى تحريم اتخاذ مثل هذا اليوم، وأبرز أدلتهم التي استندوا إليها في ذلك ما يأتي:
1-        أن فيه تشبهًا بالكفار.
2-        أن فيه مضاهاةً للأعياد الشرعية.
3-        أن فيه تعظيمًا ليوم معين في السنة من غير دليل من الشرع.
4-        أنه من باب الإحداث في الدين.
5-        أنه يعد من سب الدهر كما صرح به بعض العلماء.

وفي مطلع مناقشة هذه الأدلة ينبغي أن نعلم أن "الحكم يدور مع علته وجودا وعدما"؛ فهذه الخمسة كلها علل للتحريم، فمتى وجدت واحدة منها أو كلها في مسألتنا فإن الحكم فيها يكون بتحريم اتخاذ هذا اليوم، ومتى خلت منها كلها فإن الحكم فيها يكون بإبقاء الحكم الأصلي، وهو الحل والإباحة.

فنأتي إلى العلة الأولى، وهي التشبه بالكفار.
تعالوا ننظرْ "هل هذه العلة موجودة في المسألة، أم غير موجودة؟ وقبل أن نعرف جواب هذا ينبغي لنا أن نعرف ما ضابط التشبه بالكفار؟

ضابط التشبه بالكفار هو: فعل المسلم ما هو من خصائص دينهم وعقيدتهم أو عاداتهم وتقاليدهم، يقول شيخنا ابن عثيمين –رحمه الله- في "الشرح الممتع" 3/237: "التشبه بالكفار حرام، ولكن لا بد أن نعرف ما هو التشبه، وهل يشترط قصد التشبه؟

فالجواب: أن التشبه أن يأتي الإنسان بما هو من خصائصهم؛ بحيث لا يشاركهم فيه أحد كلباس لا يلبسه إلا الكفار، فإن كان اللباس شائعًا بين الكفار والمسلمين فليس تشبهًا، لكن إذا كان لباسًا خاصًا بالكفار، سواء كان يرمز إلى شيء ديني كلباس الرهبان، أو إلى شيء عاديّ لكن من رآه قال: هذا كافر، بناءً على لباسه فهذا حرام. "اهـ

وما شاع بين المسلمين ما كان من خصائصهم من العادات والتقاليد حتى أصبح أمرًا من الأمور المشتركة بين الكفار والمسلمين؛ فإن الإتيان به لا يعد تشبها بهم، قال ابن حجر -رحمه الله- في الفتح: "وقد كره بعض السلف لبس البرنس؛ لأنه كان من لباس الرهبان، وقد سئل مالك عنه فقال: لا بأس به. قيل: فإنه من لبوس النصارى، قال: كان يلبس ها هنا" أهـ.

ويقول أيضا كما ورد في الفتح: "وإن قلنا: النهي عنها (أي عن المياثر الأرجوان) من أجل التشبه بالأعاجم فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار، ثم لما لم يَصِر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى، فتزول الكراهة. والله أعلم" أ.هـ.

ويقول شيخنا ابن عثيمين –رحمه الله- كما في مجموع فتاويه ورسائله: "مقياس التشبه أن يفعل المتشبِه ما يختص به المتشبَه به، فالتشبه بالكفار أن يفعل المسلم شيئًا من خصائصهم، أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبهًا، فلا يكون حرامًا من أجل أنه تشبه، إلا أن يكون محرمًا من جهة أخرى" اهـ.

والآن ننظر: هل اتخاذ يوم يعود في زمن محدد أسبوعيا أو شهريا أو سنويا لفعل أمر معين فيه غير تعبدي يعد من خصائص الكفار، أم أنه أمر مشترك بينهم وبين المسلمين؟

روى أحمد بسنده عن أنس –رضي الله عنه- أنه قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الفطر، ويوم النحر".

هنا في الحديث اتخذ اليهود كل سنة يومين يلعبون فيهما ويفرحون، والشرع لم يوافق عليهما، بل جعل بدلا عنهما يومين آخرين نفرح فيهما، وبذلك حصل اختصاص المسلمين بأعيادهم، واختصاص اليهود بأعيادهم.

لكن لو لحظنا إلى أصل المسألة فإننا نرى أننا مشتركون مع اليهود في اتخاذ يوم معين يعود كل سنة نفرح فيه؛ إذًا، الذي لم يوافق عليه الشرع هو اشتراكنا مع اليهود في اليومين الذين يختصان بهم، وليس في أصل المسألة، وهو اتخاذ يوم معين في السنة لنفرح فيه؛ وبذلك نعلم أن هذه المسألة ليست مما يختص به الكفار، بل هي من المسائل المشتركة بيننا وبينهم.

ومن صور وجود مثل هذه المسألة في ديننا يوم التروية يعود كلَّ سنة، وكذلك يوم عرفة، وكذلك أيام التشريق، ويوم عاشوراء، ويوم الجمعة.

ومن صور وجودها في عاداتنا وعرفنا أننا جعلنا في المملكة يوم خمسة وعشرين من كل شهر هجري موعدًا لتسلم الرواتب، ويوم السبت والجمعة موعدًا للإجازة الأسبوعية، وكذلك بعض الناس يجعلون يوما معينا في الأسبوع أو في الشهر موعدا للرحلة أو الزيارة أو ممارسة الرياضة أو لغير ذلك من أمور حياتهم؛ ولم يقل أحد من العلماء إن مثل هذا لا يجوز؛ لأنه تشبه بالكفار.

إذًا، يجوز شرعًا وعرفًا اتخاذ يوم معين يعود في زمن معين لممارسة عمل معين فيه غير تعبدي، وليس ذلك من خصائص الكفار؛ وعليه فإن مسألة التشبه فيه غير واردة.

وعلى فرض أن الأصل هو من اختصاص الكفار، ثم انتشر بين المسلمين؛ فإنه أيضا لن يندرج تحت مسألة التشبه بالكفار؛ لانتفاء شرط الخصوصية في زمن البيان.

ونأتي الآن إلى اليوم نفسه، وهو الثالث من يونيو، هل يقال إنه يوم خاص بالكفار يؤدون فيه طقوسا معينة؟

الجواب ليس كذلك قولا واحدًا كما هو معلوم لدى الجميع.

إذً، مسألة التشبه بالكفار غير واردة في موضوعنا لا من حيث أصلُها، ولا من حيث اليومُ نفسه، وبذلك تنتفي هذه العلة من اتخاذ يوم ذكرى نكبة الروهنجيا.

العلة الثانية: مضاهاة الأعياد الشرعية.
لمعرفة وجود هذه العلة أو عدم وجودها لا بد أن نعرف ما أبرز خصائص الأعياد الشرعية؟

الأعياد الشرعية عندنا ثلاثة، وهي عيد الفطر وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة، وأبرز خصائصها أن تشتمل -إضافةً إلى إظهار الفرح في العيدين- على عبادات معينة تختص بتلك الأيام؛ فيوم الفطر من أبرز العبادات التي تختص به صلاة العيد والتكبيرات، وعيد الفطر من أبرز العبادات التي تختص به صلاة العيد وذبح الأضاحي، ويوم الجمعة من أبرز العبادات التي تختص به صلاة الجمعة.

فهل هذه الصفة موجودة في ذكرى اليوم الثالث من يونيو؟

الجواب ليست موجودةً إطلاقًا؛ لأنه أصلاً لم يخصص لأداء عبادات وطقوس معينة فيه، وإنما للحملة الإعلامية، والتعريف المكثف لقضية الروهنجيا.

ولا يوجد فيه كذلك أي إظهار للفرح والسرور الذي هو من خصائص الأعياد الشرعية، وبانتفاء هذين الشرطين ليس هناك أي صفة تجعل يوم النكبة عيدًا إلا في العرف اللغوي، والعرف اللغوي ليس له علاقة بموضوعنا؛ إذ إنه لوحده لا يأخذ به اليوم صفة العيد الشرعي، ومما يدل على ذلك أن يوم عرفة يعود كلَّ سنة في تاريخ معين، ومع ذلك لا يسمى عيدًا؛ لعدم توفر شرط إظهار الفرح في ذلك اليوم، ومثله يوم عاشوراء.

إذًا، عرفنا أن علة مضاهاة الأعياد الشرعية غير واردة في موضوعنا.

قال الشيخ محمد بن حسن الددو الشنقيطي -رئيس هيئة تكوين العلماء بموريتانيا -: "إن الأعياد الكثيرة التي تستحدث في بعض الدول، مثل: عيد الأم وعيد الشجرة وغيرها؛ ليست أعيادًا، وإنما تلقب أعيادًا في ألقاب الناس؛ إنما هي مناسبات مثل غيرها: مناسبة اليوم الوطني، ومناسبة يوم التعليم، ويوم الجيش، ونحو ذلك؛ فهي مناسبات تستغل، وإذا اتجه الإنسان فيها إلى باب الشكر لله على نعمته فلا حرج في ذلك" ا.هـ. (موقع الفقه الإسلامي).

العلة الثالثة: تعظيم يوم معين في السنة من غير دليل.
لمعرفة وجود هذه العلة أو عدمها لا بد أن نعرف لماذا خصص هذا اليوم؛ هل خصص لليوم ذاته، أم لجعله ظرفا لعمل معين فيه؟

الجواب: لا شك أنه لجعله ظرفا لعمل معين فيه، وهو الحملة الإعلامية، والتعريف المكثف بالقضية؛ إذًا، علة تعظيم اليوم ليس لها أي وجود في موضوعنا، هذا أولًا.

ثانيًا: كيف لنا أن نعظم هذا اليوم، وهو الذي حصل فيه ما حصل من إهانة للدعاة وتعذيبهم وقتلهم؟!

تقول اللجنة الدائمة: "وما كان المقصود منه تنظيم الأعمال مثلًا لمصلحة الأمة وضبط أمورها، كأسبوع المرور، وتنظيم مواعيد الدراسة، والاجتماع بالموظفين للعمل، ونحو ذلك مما لا يفضي إلى التقرب به والعبادة والتعظيم بالأصالة؛ فهو من البدع العادية التي لا يشملها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" فلا حرج فيه، بل يكون مشروعاً". (فتوى رقم 9403- 3/59)

إشكال:
يقول البعض: إن لم يكن التعظيم هو المقصود من جعل يوم مخصص فلم التحديد بثلاثة يونيو، ولم لم يجعل في يوم آخر؟

الجواب:
أولا: إن الهدف من جعل هذا اليوم هو التركيز بشكل أكبر ونشاط أوسع على الحملة الإعلامية للتعريف بالقضية الروهنجية؛ فالناس منشغلون بأمورهم الخاصة، وليس لديهم وقت كاف للتفاعل مع القضية إعلاميا في كل وقت، فلو رتب لهم زمن معين في السنة فإن ذلك يساعدهم على هذا التفاعل وبذل جهد أكبر؛ لأنه زمن محدد يمكنهم الاستعداد له مسبقا؛ فبناء عليه رتب هذا اليوم.

ثانيا: بعد دراسة جدوى تحديد يوم لا بد من البحث عن اليوم المناسب، هل يتم تحديده عشوائيا، أم مع ربطه بحدث معين؟

والذي يحدد أحد الرأيين هو مسألة التأثير الأكبر في نفوس الناس؛ فاليوم الذي يكون تأثيره أقوى لا شك أنه أولى من غيره، فظهر أن تحديد يوم في السنة مثل اليوم الذي بدأت فيه الأحداث الأخيرة يكون تأثيره أوقع في النفوس، واليوم الذي بدأت فيه الأحداث هو ثلاثة يونيو؛ فتم تحديد هذا اليوم.

وهذا كمثل تاجر ينزل بضاعته بكمية معينة كل يوم، لكن يأتيه يوم معين في الشهر ينزل فيه البضاعة أكثر مما سبقه ومما يأتي بعده من الأيام؛ لأنه لحظ أن إقبال المشترين في اليوم نفسه أكثر من غيره.

إذًا، المسألة لا تعدو كونها تنظيما وترتيبا واستثمارا لفرصة إعلامية سنحت للتعريف بالقضية، واليوم المحدد ليس لذاته أي اعتبار، وإنما لما فيه من التأثير في إنجاح الحملة الإعلامية، وليس هناك مانع إن تم تحديد يوم آخر غيره، لكن الحملة لا تنجح كما تنجح في اليوم الأول.

العلة الرابعة: إحداث أمر في الدين من غير دليل.
ليعلم أن هذه العلة تتعلق بالعبادات، ومعنى ذلك أنها لا ترد في غير العبادات، ويوم النكبة لم يخصص لأداء عبادات خاصة به، وإنما للحملة الإعلامية والتعريف بالقضية، وهي من الأمور الدنيوية، وليست من الأمور التعبدية حتى يقال إنه من باب إحداث أمر في الدين، وإن كانت النية الحسنة فيها يثاب عليها صاحبها.

فيعلم من هذا أن علة إحداث أمر في الدين من غير دليل غير واردة في موضوعنا.

يقول الدكتور عبد الله بن بيه: "اليوم الوطني ليس عيدًا، والأعياد التي لا يجوز إحداثها هي الأعياد الدينية، وليست التجمعات التي يتجمع الناس بها لسبب أو لآخر، قد يحتفلون بالزواج، وقد يحتفلون بالولادة، وقد يحتفلون بأي شيء؛ فهذا ليس من الأعياد الدينية؛ لهذا يجب أن نزيل هذا الوهم، وهذه الشبهة التي يتعلق بها كثير من الناس، فيدخلون على الناس حرجًا وشغبًا في دينهم؛ بحيث يصبح المتدين أو الملتزم في حرج يشعر وكأنه يأتي كبيرة ويأتي منكرًا، هذا ليس بمنكر، فالأصل في الأشياء الإباحة" ا.هـ. (المرجع: موقع الشيخ – أرشيف الفتاوى).

العلة الخامسة: سب الدهر.
أولا: أن هذه العلة في حال وجودها وصحة الاستدلال بها في موضوعنا أرى أنها تتعلق بالتسمية، وليس تعلقها باليوم نفسه؛ إذ بإمكاننا أن نغير التسمية إلى (يوم استشهاد الدعاة العشرة)، وما أشبه ذلك من الأسماء التي لا يفهم منها سب الدهر.

ثانيا: هل هذه العلة موجودة فعلا في تسميتنا لليوم بـــ(يوم النكبة)؟

لنعرف ذلك ينبغي لنا أن نعرف ما معنى سب الدهر؟

الإجابة: معنى سب الدهر كما يقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك: "وسب الدهر يكون بلعنه وتقبيحه، وبإضافة فعل المكروه إليه، كقول الكفار: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}، وفي معناه: أبادهم الزمان، ومزقتهم الأيام، ومثل ذلك ما جاء على ألسن كثير من الشعراء، كقول زهير أبي سلمى:

يا دهـر قـد أكـثرت فجعتنـا *** بسراتنـا وقـرعـت في العـظـم
وكقول الشريف المرتضى:

قطعتَ بها يا دهرُ حبلَ وتيني *** فشأنك أنّي اليومَ طوعُ شؤوني

ويقول أيضا: "وأما وصف الزمان بما يقع فيه مما يقدره الله من الخير والشر، كقولك: يوم مطير، ويوم بارد، وحار، ويومٌ نحسٌ؛ فلا يدخل ذلك في سب الدهر والأيام؛ لأنه خبر محض عمَّا جرى فيه من قدر الله، قال –تعالى-: {فَأَرْ‌سَلْنَا عَلَيْهِمْ رِ‌يحًا صَرْ‌صَرً‌ا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ}، وقال –تعالى- عن لوط –عليه السلام-: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُ‌سُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْ‌عًا وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}". (كلام الشيخ منقول من فتوى منشورة في موقع طريق الإسلام)

إذًا، عرفنا مما سبق أن سب الدهر لعنه وتقبيحه وإضافة فعل المكروه إليه على أنه هو فاعله، أما مجرد وصف ما حصل في الزمن من الأمور المكروهة فلا يعد ذلك من سب الدهر؛ وعليه نعرف أن عبارة (يوم النكبة) ليست من سب الدهر؛ لأن معناها: يوم حصول النكبة فيه، أي جعل اليوم ظرفا لوقوع النكبة فيه، ويفهم من هذا أن العبارة لا تعدو كونها وصفا لما حدث في ذلك اليوم وتعريفا لليوم، وهذا ليس فيه أي سب للدهر ولا أي محذور شرعي كما علمت، وهو كما بينا من باب (أيام نحسات)، و(هذا يوم عصيب).

إذًا، علمنا أن هذه العلة غير ورادة في موضوعنا، وأنها خاصة بالتسمية، وليست علاقتها مباشرة باليوم.

الخلاصة:
علمنا من خلال ما سبق أن اتخاذ يوم ذكرى لنكبة الروهنجيا ليس فيه أي محذور شرعا، وأن كل التعليلات التي قيل بتحريمه لأجلها معلّة وغير واردة في هذه المسألة – كما بينا ذلك بالتفصيل-.

وكل أمر ليس من الاعتقادات الشرعية ولا من العبادات فإن الأصل فيه الحل والإباحة حتى نجد من الأدلة الشرعية ما يصرفه عنه إلى حكم آخر من التحريم والكراهة.

وقد استدلوا على تحريم اتخاذ هذا اليوم ببعض العلل، وكلها غير واردة فيه، وهي ما يلي:
1-    علة التشبه بالكفار، وهي غير واردة؛ لأن المسألة ليست مما يختص بالكفار كما بينا ذلك.

2-   علة المضاهاة للأعياد الشرعية، وهي غير واردة؛ لعدم توفر شروط الأعياد الشرعية فيه، وهي إظهار الفرح والسرور، وأداء عبادات وطقوس معينة، ولا يوجد شيء من ذلك في اليوم نفسه.

3-   علة تعظيم يوم معين من غير دليل، وهي غير واردة؛ لأنه لم يخصص يوم ذكرى النكبة لفضل اليوم نفسه، وإنما خصص للقيام ببعض الأمور الإعلامية فيه والتعريف المكثف بالقضية؛ وهو ليس إلا من باب استثمار الحدث والفرصة في المجال الإعلامي.

ولا يمكن أن يعظم اليوم نفسه لأن ما حصل فيه ليس مما يكون سببا لتعظيمه كما هو معلوم لدى الجميع.
4-   علة إحداث أمر في الدين من غير دليل، وهذه أيضا غير واردة؛ لأنه ليس هناك أي طقوس دينية ولا أي عبادة خاصة باليوم نفسه، بل الذي يكون فيه هو أمر دنيوي، وهو القيام بالجهود الإعلامية؛ والبدع الشرعية إنما تكون في العبادات والعقائد، وليست في الأمور الدنيوية.

5-   علة سب الدهر، وهذه كذلك غير واردة؛ لأن يوم النكبة ليس المقصود به سب الدهر، وإنما المقصود به الإخبار بأنه يوم حصلت فيه نكبة الروهنجيا، وشتان بين الإخبار والسب، وهو مثلما في القرآن كعبارة (أيام نحسات)، و(هذا يوم عصيب).

وأيضا أن هذه العلة ليست علاقتها مباشرة باليوم نفسه، وإنما بالتسمية، والتسمية سهل تغييرها، ولا ينبغي تحريم اتخاذ ذكرى اليوم لأجل تسميته إن صح وجود العلة فيها، لكن الصحيح أن العلة غير واردة حتى في التسمية.

أسأل الله أن يوفقنا جميعا للحق والصواب في القول والعمل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


حرر يوم الثلاثاء 19-8-1435هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق