يصحو
باكرًا كلَّ صباح، يستفتح ساعاتِ يومه المباركة بسنة الفجر، التي هي أفضل من
الدنيا الفانية وما فيها من مُتَعها وزخارفها الزائلة، يعود إلى أسرته بعد أداء
الفرض مع المصلين ومعه وجبة الإفطار، يتناولها مع زوجته وابنته وابنه اللذين لم
يتجاوزا سن الطفولة، ثم يجهز حقيبته ... يضع فيها قرطاسه الذي يُعِد فيه الدروس
التي يلقيها أمام الطلاب في مدرسته ... ويذهب إليها وكلُّه أمل وطُموح في أن يؤدي
واجبه التعليمي على أكمل وجه؛ إرضاء لله – تعالى -، ورغبةً في إعداد جيل واعد من
بني قومه يكونون مشاعل المستقبل، ورواد العلم والمعرفة، وقادة الأمة الروهنجية ...
يقودون أبناءهم إلى فتح بلادهم، وتحريرها من أغلال البوذية الظالمة ...
تلك حاله
كلَّ يوم، وتلك رسالته كلَّ صباح، يؤدي واجبه على أفضل وجه، رغم أنه لا يتقاضى إلا
مكافأة يسيرة من مدرسته ... يغطي بها بصعوبة التزاماتِه المالية كلَّ شهر، وربما
يختفي هلال ويظهر آخر جديد وهو حامل بعضَ الديون التي تثقل كاهلَه ...
يؤوب إلى
داره من التدريس وهو ينتشي فرحًا وسرورًا؛ حيث استطاع أن يبذل بعضا مما منحه الرب –تعالى-
من العلم والمعرفة، ويرسم البسمة في وجوه تلاميذه بإنارة أفكارهم، وتهذيب سلوكاتهم،
وتنمية قدراتهم، وهم أيضًا قد أحبوه وتعلقوا به؛ لحسن خلقه وتواضعه الجم، وحرصه
عليهم حرصَ الآباء على فِلْذات أكبادهم ...
والحياة
هذه لا تبقى على حال واحدة، يومًا تناولك حلاوتها، وأيامًا تذيقك المر والعلقم؛ فقدر
الله –تعالى- أن تظلم الدنيا في وجهه، ويطلق الشقاء والبؤس عليه بعض رصاصاتهما
الجارحة ... كان يعود من صلاة الفجر حاملًا وجبة الإفطار، والآن يعود خاوي اليدين،
يستحي أن يراه طفلاه وهو لم يجلب لهما شيئًا كعادته؛ فيتوارى عنهما ويذهب إلى
مدرسته قبل الوقت المعتاد، صاحب الشقة يطرق بابه صباحَ مساءَ يريد الأجَر الشهرية،
وتراكمت عليه الفواتير الكهربائية، اُضطر إلى إلغاء بعض الوجبات الأساسية من
برنامج التغذية في منزله وحرمان نفسه وأولاده إياها، وكان يحمل بعض الهدايا في
فصله الذي يشرف عليه ويحب الطلاب الذين فيه أكثر من أبنائه، لكنه لا يستطيع فعل أي
شيء الآن، حتى المهام المطلوبة منه يحس أنه يحصل فيها قصور كبير منه لكثرة همومه،
ويرى أن مستوى طلابه في تراجع لافت!
ولسان
حاله:
"يا
إلهي ... ما الحل؟ انقطعت الرواتب قريبًا من فصلين دراسيين، ولا أرى أي أمل يلوح
في الأفق، هل أقدّم ورقة استقالتي وتكون بها كتابة الفصل الأخير بيني وبين طلابي
الذين ربيتهم وغذيت عقولهم بالمعرفة والعلوم؛ لأحقق بهم أهدافي في خدمة قضيتي
وتحرير بلادي، ولا أدري ماذا تكون حالهم بعد ذلك ... أيستمرون، أم ينقطعون بهجرة
المدرسين مثلي لسوء الأحوال والظروف، أم أصبر على هذا الوضع شهورًا أخرى أيضًا حتى
يفرج الله –تعالى- كربتي وكربة زملائي؟!
إن
استمررت فماذا تكون حال أهلي وعيالي، وكيف أشرح وضعي لصاحب الشقة حين يأتي ويطرق
بابي صباحَ مساءَ؟!
أسأل
الله – تعالى - أن يهيئ لنا رجلًا رشيدًا يشخص الأزمة الراهنة؛ فيوجد لها حلًا
يكون به علاج لمشكلة مكافآتنا التي كانت قوتَ عيالنا، وأجرةَ مساكننا، وإنقاذٌ لطلابنا
الذين نحبهم من الضياع والتشرد".
البلد
الحرام – الاثنين 1438/5/6
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق